العرّاب الفنيشاشة

القاتِلة شكران مرتجى

يبدو أنَّ شكران مرتجى ارتكبت جريمة قتل حقيقية لكن بالمعنى الإيجابي للجريمة (أُسوةً بالقول أنَّ أُغنية كسَّرت الأرض)، ها هيَ شكران ترتكب جريمة تمثيلية من ناحية الأداء الرائع في مسلسلها “وردة شامية” الذي تتقاسم بطولته مع سلافة معمار، بالإضافة إلى سلّوم حداد وباقة من أبرز الممثلين السوريين، ويشترك معهم عددٌ من الممثلين اللبنانيين.

فلنتكلم عن العمل بشكل عام، ثمَّ عن دور شكران فيه.

العمل كتبهُ مروان قاووق وأخرجهُ تامر إسحاق، وهوَ من إنتاج شركة غولدن لاين، يقدَّمَ نموذجًا سوريًا ناجحًا للدراما التي نريد من نواحي عدّة. ففي البداية تدور الأحداث في الحارات الدمشقية، أي أنَّ الشكل الخارجي هو “بيئة شامية” لكن لا يأخذ من “البيئة الشامية” النمطية التي عهدناها في العقد الأخير لناحية تقديم الشخصيات المُعلّبة، البطولة في “وردة شامية” للقصة لا لمسرح تقديمها وما أمست تفترضه أعمال البيئة من معايير صارَ يسخر منها المشاهِد… هذا من ناحية الشكل. أمّا من ناحية القصة وهي مأخوذة من حكاية “ريّا وسكينة”، فهي ورقة رابحة أساسية لكن وضعت العمل أمامَ احتمالين لا ثالث لهما، إمّا أن يظهر المسلسل دون المستوى ولا يرقى لقصة الجريمة المعروفة لدى كل الجمهور العربي “ريا وسكينة” ولا يقدّم جديدًا، وإمّا أن يقدِّم هذا الجديد، لتكون الخلاصة أنَّ وردة شامية هو (النسخة السورية الناجحة من قصة ريا وسكينة)، وهنا تتجمّع عناصر هذا النجاح من ناحية الحوار والكادر التمثيلي والإخراج والإنتاج الذي كان لهُ أن يكون أسخى من ذلك.

أمّا بالنسبة للبطلة شكران… في “وردة شامية” تقدِّم ذروة مُفترضة لنضوجها الفني، وأقول “مفترضة” لأننا لا نعلم ما الذي ستُدهشُنا به في ما بعد، فهي ممثلة مجتهدة وأمينة على عملها ولا تكل ولا تمل في المحاولة تلوَ الأُخرى، رافعةً قضية “الدراما السورية” على كتفيها، مسؤوليةً، تُثبت جدارتها حيالها في مختلف الأعمال التي تقدِّمها.

“شامية” إسم الشخصية التي تقدِّمها شكران، هي سيدة أربعينية قد تعرّضت للظلم في صباها، بعدما تزوّجها الرجل الثري (حسام تحسين بك)، لأنَّ زوجته (فاديا خطّاب) لا تُنجب، فاستعانوا بشامية من أجل منحهم طفلًا، ثمَّ طردوها من حياتهم وأبعدوها عن ولدِها.

ذاك الظلم، الذي يُشبه ظلمًا يلحق بالشعوب، فيتحوّل جماعات فيها لمجرمين، لا يُبرِّر الجريمة بأي شكل من الأشكال، لكن يوضِح عن طريق شكران، كيفَ أنَّ الظلم يولّد حقدًا وبرعت في إبرازه ضمن ثنائية نفسية بين الأم التي تختنق شوقًا لرؤية ابنها، والسيدة الحاقدة على مجتمع ظلمها وعاملها وأُختها بفوقية، فانساقوا نحوَ الرذيلة والكذب ثمَّ القتل، ثمّ الجريمة المنظّمة.

في رمضان الحالي نحنُ على موعد مع 33 حلقة مشوّقة من “وردة شامية”، العمل الذي سبق وقُدِّم لأول مرة قبلَ أشهر على قناة بي إن دراما المشفّرة، وها هوَ اليوم يُعرَض على عدة قنوات عربية أبرزها قناة الجديد اللبنانية، ليحظى بنسبة مشاهدة عالية، سواء على الشاشات أو عبر قناة الشركة المنتجة على موقع يوتيوب.

هنيئًا لطاقَم وردة شامية، وللقَتَلى الذين يُحييون الدراما السورية مجدَّدًا، وهنيئًا لسلافة معمار وشكران مرتجى وسلوم حدّاد.

وشكران التي تحظي بشعبية كبيرة، تُقدِّم محطة جديدة من مشوارها الفني العريق، الذي تتمازج فيه الأدوار بين الكوميديا والتراجيديا. ومع “شامية” تغدو الغرّة والأبيض في شعرها، دلالة على نضوج وتجلّي… وتصرخ من قلبٍ محروق، لأنها لطالما صرخت ضدّ الظلم والفوضى والشللية في الدراما السورية… فهل تُجدي صرختها لدى صنّاع الدراما ويفيقُ النيام نحوَ الحلول، لأعمال ترتقي بمستوى تاريخ سورية وتاريخ الدراما وما تستحقهُ من مكانة عربية متميّزة؟ ونرفض القول أنّ الدراما السورية تُنافس دراما أُخرى، فهي بمفهوم السوق مُنافِسة، لكن لناحية قيمتها الفنية وتجربتها لها فرادتُها وتميّزها، كما لدينا ممثلين من نوعٍ فريد، يقدّمون أداءً مذهلًا أًسوةً بما قدّمتهُ شكران في “وردة شامية”.

محمد مطاوع

لمتابعة الكاتب عبر تويتر:

MohamedMotaweh@

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى