العرّاب الفني

الدّراما في شهر الخير ليست بخير

يزدحم شهر رمضان المبارك بالعديد من المسلسلات التي نادراً ما تتنوّع بها الأفكار . فأغلب الأعمال في الوقت الحالي يبدو أنّها من الضّروري أن تصطدم بحكاياتٍ لا يُكمل عددها أصابع اليد الواحدة ، تُشعر المشاهد أنّ الظروف الحياتيّة التي يمرّ بها ، موجودة فقط في خياله ، وأنّ الدّراما متمسّكة بقضايا لا تُسمن ولا تُغني من جوع .

 

فالمكتوب أحياناً يُقرأ من عنوانه ، لكنّ فضولك تدفعك إلى إقناع نفسك بالعكس، فتخوض غمار إكمال باقي التّفاصيل. هذا ما يُمكن أن نلخّص به سُداسيّة ” الرّجل الآخر ” من مسلسل الحبّ جنون الذي يُعرض على قناة الجديد.

 

المسلسل من بطولة طوني عيسى بدور ” طارق”، جوي خوري بدور ” زينة” ، والممثّل القدير ناظم عيسى بدور ” أبو بشكير “. وتبدأ الحلقات الستّ عند طارق الذي يقتل صديقه، بواسطة أبو بشكير، في ليلة زفافه من زينة الذي يقع في غرامها. ثمّ تدور الأحداث في حلقة مفرغة تعيش خلالها زينة لحظات من الضّياع بين سبب ترك خطيبها لها في ليلة عرسها، وهو الأمر الذي أقنعها به طارق الذي يُصبح زوجها، وبين صحّة ارتباطها بصديقه، حيث يبقى قلبها معلّقاً بمن خذلها. السّداسيّة تنتهي بطارق الذي يقتل أبو بشكير خوفاً من افتضاح أمره لزينة، ليُنهي بعدها حياة زينة عندما تكتشف جريمته عن طريق الصّدفة. الملفت في الأمر ، ناهيك عن الحبكة غير المقنعة، أنّ أدوار جوي خوري الأخيرة أصبحت شعارا للبكاء واليأس والمعاناة حتّى بات المشاهد يتمنّى أن تبتسم في مسلسل.

من ناحية ثانية ، فإنّ مسلسل ” ومشيت ” بطولة بديع أبو شقرا وكارين رزق الله ، وكتابة الأخيرة، يعتبر أحد الأعمال المحيّرة التي أثارت الجدل منذ بدايتها. فرغم انطلاقته الجيّدة، إلا أنّه بدأ يدخل في دوّامة الرّتابة والملل رغم الجهد الّذي يبذله فريق العمل، حيث يتخلّله بعض الأحداث التي يبدو أنّ كاتبتها أطلقت العنان لمخيّلتها كثيراً، فتجلّى ذلك بمشاهد لا وجود لها إلا في الكتب الخرافيّة. وما مشهد استقبالها لصديقها القادم من السّفر إلا ضرباً من جنون تلك المشاهد. فليس من الطبيعي ، في مجتمعنا الشّرقي، وفي بلدٍ كلبنان ، أن يستقبل إنسان ، إمرأة  كانت أو رجل ، صديقه القادم من السفر بالأحضان في غرفة النّوم كما حدث مع كارين وصديقها في بيتها بالقرية. ذلك لا يحدث في البلدان الغربيّة حتّى. أما لحظة حساب بديع أو شقرا للأيّام التي قضتها كارين في الغربة، في ثوانٍ معدودة ، فيكاد يكون الأكثر كوميديّة. فكيف لشخص يلتقي بزوجته بعد غياب ستّة عشر سنة، بدون أي تواصل، أن يكون بكل هذا الوعي والقدرة لاحتساب ذلك بسرعة؟ إلا أنّ مشاهد القديرة رنده كعدي التي تجسّد دور أمّ شهيد في الجيش اللبناني سقط خلال انفجار قنبلة بسيّارة عقيد في الجيش حيث يعمل كسائق لديه، فلا شكّ أنّها من أقوى المشاهد. وعلى ذكر الجيش اللبناني، فلا أظنّ من المسموح أن يستغلّ عقيد منصبه إثر خلاف عائلي كما حصل بين بديع أبو شقرا وبين والد كارين رزق الله، النّائب، ليرد عليه أن لا أحد يستطيع أن يهدّد عقيد في الجيش. زد على ذلك، أنّ العقيد نفسه، يعيش المساكنة مع صديقة زوجته ببيته في القرية أيضاً.

على المقلب الآخر ، وفي الدّراما المصريّة تحديداً ، فإنّ مسلسل ” مليكة ” من بطولة دينا الشّربيني ومصطفى فهمي وعدد من الوجوه الشّابة ، أبرزهم رامز أمير ، تُعدّ بدايته جيّدة كمسلسل ينافس في هذا الشّهر. فكرة المسلسل تتمحور حول قنبلة يضعها رامز أمير ، الذي يتعامل “مُكرهاً ” مع أحد التّنظيمات الإرهابية التي يترأسها أخوه ، والتي تموّلها منظّمة خارجيّة ، في زفافٍ يجمع عدد كبير من الشّخصيّات الرّسمية والأمنية ويحصد أرواح كُثُر من بينهم مسؤول أمني . دينا الشّربيني تجسّد دور فتات تخسر حياتها في الإنفجار لتعود وتتقمّص شخصيّة إبنة خالتها وسط إنكار كل من حولها لذلك . والملاحظة المهمّة هنا ، أنّ لحظة نزع الضّمادة عن وجه مليكة أي دينا الشربيني بعد عمليّات التّجميل التي أُجريت لها نتيجة تشوّه وجهها ، فإنّ النّدوب التي تدل على ذلك مختفية تماماً في معجزة دراميّة جديدة . والإعجاز الذي حيّر العلماء هو سبب ظهور وجه مليكة مليئ بمساحيق التّجميل . وطبعاً لن تخلو الحبكة من النّقطة البديهيّة لأي مسلسل ألا وهي خيانة الأصدقاء .

في الإطار نفسه ، فإنّ معظم المسلسلات التي تُعرض هذا العام ، أظهرت ثقوباً كبيرة في نظرة الكتّاب إلى الدّراما ، حيث يغفل أغلبهم عن الواقع الذي يصطاد حياة الشّعوب، فتُرخي بظلالها فقداناً للثّقة بالمهنة التي يجب أن تنقل معاناة الإنسان لا أن تصبغها بإطارٍ واحدٍ يحدّد معايير نجاح المسلسل أو فشله .

 

وإذا ألقينا نظرة على مجمل الأعمال الدراميّة في هذا الشّهر الفضيل ، فإنّ ما يقدّم من قضايا لا يعدو كونه رادعاً لمعظم المفاهيم التي يتخلّلها . فحبّذا لو يتناول عمل ما أهميّة رمضان ويُعرّف الآخرين على تفاصيله التي تتجاوز المأكل والمشرب والملبس والصّوم والتّعب. بناءً على ذلك ، نستطيع الخلوص إلى نتيجة مفادها أنّ الدّراما في شهر الخير ، ليست أبداً بخير .

مريانا سويدان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى