العرّاب الفني

ماذا لو كان مامادو في بلادنا؟

تخيّل معي أنّ وطننا أصبح المكان الذي تحلم به منذ نعومة أظافرك، وأنّ كلّ فرد فينا يتنعّم بحقوقه حدّ الإكتفاء، ويؤدّي واجباته حدّ الإقتناع. تخيّل معي أنّ مع كل شهيق تزفره وفي كل زفير تشهقه تشعر أنّك مطمئنّ البال، غير مبالٍ بضغوطات تملأ قلبك ، وهمومٍ تُثقل كاهلك، وديونٍ هي جزء من يوميّاتك.

 

تخيّل معي أنّك  تنتمي إلى بلدٍ يقدّم لك كلّ التّسهيلات كي تنظّم حياتك، بلدٍ لا يعايرك من فيه لانتمائك الطّائفي المحرّك الأساسي لأي تغيير. أعطِ الحرية لمخيّلتك وافترض أنّ هذه البقعة الجغرافيّة لا تستند إلا على أبنائها، وأنّ ذوي الإعاقة فيها ينالون أقصى ما يستحقّون من دون نظرة الشّفقة كراتب آخر الشّهر.

 

هل أسعفتك ظروفك لتتخيّل كل ذلك ؟ الآن لنعُدْ إلى مأساة الواقع قليلاً..

 

مامادو أسامة مهاجر غير شرعي من مالي إلى فرنسا وتحديداً العاصمة باريس ، حصل بالأمس القريب على الجنسيّة الفرنسيّة من الرّئيس ماكرون شخصيّاً وأصبح بطلاً في أنحاء المدينة. مامادو أنقذ طفلاً شارف على الوقوع من شرفة منزله في باريس. تسلّق أسامة شرفات العمارة حيث يقطن الطّفل حتّى وصل إليه وأعاده إلى عائلته من جديد. فور شيوع الخبر إستقبل الرّئيس  الفرنسي مامادو وشكره على ما فعله وقدّم له الجنسيّة الفرنسيّة عربان تقدير على إنقاذه طفلاً كاد أن يصبح في عداد أقسى الخسائر التي يمكن أن يُمنى بها أهل.

 

لنتخيّل أنّ ذلك حصل في بلادنا ، وأنّ مامادو كُرّم في فضاءٍ لا زال يضع شروطاً على الأمّ كي تعطي أولادها جنسيتها. لنفترض أنّ بإمكاننا الاختلاف في وجهات النّظر من دون أن نخوض معركة تصنيف الآخر بحسب كل كلمة ينطق بها. لنتمنّى أنّ ما حصل مع مامادو يحدث كل يومٍ على أراضينا.بل لنتمنّى أنّ تكون نظريّة فيزياء الكمّ حقيقة ، وأنّنا حقّاً موجودون في كونين مختلفين بوقتٍ متلازم ، وأنّ كوننا هذا مجرّد جسر عبور للكون الآخر الأجمل.

مريانا سويدان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى