العرّاب الفني

لسان رشيد حنينة لا يستحق القطع!

محمد مطاوع

اللسان أو الألسنة، وبالعامية “اللسانات” هي سبب الكثير من المشاكل لدينا، نتيجة الثرثرة التي تنتشر في المجتمعات العربية… ولأنّ الفتاة أو المرأة هي مادة دسمة للثرثرة، اختارَ المسرحي الشاب رشيد حنينة كتابة وإخراج عمل مسرحي هو الثاني في مشواره كطالب مسرح وإخراج في الجامعة اللبنانية الأميركية، والعرض بعنوان “عزيمة لسانات” يتحدث عن خوف الأهالي أو الزوج من ثرثرة الناس فيُسبّب ذلك حرمان الأنثى من بعض حقوقها، كاختيار شريكها، أو ربما حرية اختيار الالتزام بالحجاب من عدمه.

 

يوما 17 و18 آب/أغسطس فتحَ مركز معروف سعد الثقافي أبوابه في مدينة صيدا، عاصمة الجنوب، ليقدّم حنينة مع شركائه عرضين من العمل، قبل الانتقال بعد ذلك إلى بيروت، لتقديم العمل من ضمن فعاليات الجامعة اللبنانية الأميركية والتي لم يتم تحديد مواقيتها، لكنّ الأكيد أنّ “عزيمة لسانات” ستعتلي مسرح المدينة ضمن مهرجان مشكال يوم 10 أيلول/سبتمبر. العرض في مسرح المدينة سيتسبب بتغييرات في النص، ملاءمةً مع طبيعة المسرح وجمهوره، وهو ما يُبرهن أنّ لحنينة عمق في الرؤية المسرحية وفهم لجدلية الجمهور والمسرح حتى ولو كان في أوائل العشرينات من عمره.

 

غالبية الممثلين المشاركين في “عزيمة لسانات” هم من بيروت، لا يجمع بينهم قاسم التخصص بالمسرح، بل الشغف به. صبية واحدة من صيدا وهي حنين كريم.

 

يوما 17 و18 آب، اعتلى مسرح مركز معروف سعد الثقافي في صيدا، كل من: أنجي مراد، ريّان زرين، علاء عيتاني، كريم مكّوك، سارة محسن، محمد علي ابراهيم عيتاني، مجد خيامي، ابراهيم خليل، أنس الأمين، حنين كريم، ريم برّو وزهيرة حنينة.

 

يتحدث العرض عن مجتمعين، المتقدم تكنولوجيًا وماديًا، والمجتمع الشعبي الفقير، وبرهن العرض أنّ في كلَي المجتمعين (الذين يمكن وضعهما في إطار الماضي والحاضر أيضًا) من “لسانات” وضغوطات على الفتاة، التي قد تثور وقد لا… قد تعبّر عن كَم الضغوطات التي تتعرّض لها، قد تنوي الثورة، ولكن قد تخضع أيضًا!

 

جاءَت المسرحية تحت عنوان “مشروع خدمة المجتمع” بالتعاون مع قسم فنون الإعلام في الجامعة اللبنانية الأميركية وجمعية أبناء صيدا، وكُتِبَ على الغلاف التعريفي “الدخول فقط لمن هم فوق سن الرابعة عشر”.

 

تميّزَ العمل بتكامل عناصره، من كتابة وإخراج، وإضاءة وديكور، وممثلين طبعًا… وحين انتهى العرض، دارَ نقاش بين الممثلين والمخرج من جهة والجمهور.

 

“عزيمة لسانات” فسحة للكوميديا وتقديم الصور المجتمعية بطريقة مميزة ومتكاملة، وكذلك قدّمت المونولوج ونزلتا أنجي مراد وريّان زرين إلى الجمهور، وواجهتاه باعتبار أنهما تلعبان دورَي الفتاة في المجتمع المعاصر و”التقليدي”.

 

كان تحديًا كبيرًا أمام رشيد حنينة، أن يقدّم عرضًا مسرحيًا يستهدف جمهورًا هو طرف مباشر في الحبكة!

 

أثناء جلوسي بين مقاعد الحاضرين، كنتُ أسمع الضحكات، وكذلك التعليقات الساخرة، لا على العرض، بل على أوجاع الفتاتين! ما يؤكّد أننا فعلًا في “مجتمع لسانات”، الكثير من مشاريعنا وأفكارنا وقراراتنا، نصيغها  بطريقة لنراعي فيها ألسنة الناس… هذا الواقع استطاع حنينة تقديمه، ونجح شركاؤه في بلورة أفكاره…

 

العرض كان الدخول إليه مجانيًا، يستحق التشجيع والإثناء… وربما لسان رشيد حنينة لا يستحق القطع، فلهُ كل التقدير، وهو في بداية مشواره ويقدم أعمالًا مميزة… أما للمجتمع الذي نعيش فيه فلألسنته القطع! لن نستطيع التملص من طبيعتنا الثرثرية… لكن على الأقل، فلنقلل، ولنحصّن أنفسنا… يمكن لأحد أن يثني أو يذم بقصة شعرنا، رأيه بملابسنا… لكن لا يمكن ولا يُسمَح أن يتدخل أو أن نتأثر بتدخله كي نأخذ قرارات غيرمقتنعين بها… كحجاب “ريّان زرين” وعدم السعادة الزوجية مع “أنجي مراد”…

 

مرة أخرى تحية لرشيد حنينة، للممثلين الذين تميّزوا، لـ كريم مكّوك بدور أم شكري صديقة أم العبد… وانزلقَ الشعر المستعار عن رأسه، فاستدركَ بالقول “أنا مصابة بالسرطان… لا تضحكوا… وافحصوا من أجل الكشف المبكر عن سرطان الثدي”… يعني أنها مظاهر وأفكار وتطلعات نحو مجتمع متقدّم واعٍ عارف متذوّق للفن… كـ صيدا التي تستحق أن تتذوق الفن والسياحة والجمال. هذا وقتها! كل مدن العالم في مكان، ونحن في مكان آخَر، نستحق أن نتقدّم فكريًا، ومسرح حنينة إضاءة صغيرة كبيرة نحو مجتمع صيداوي ولبناني أفضل.

 

أحد الفيديوهات الترويجية التي سبقت العرض:

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى