العرّاب الفني

جواد جابر: مجنونَكِ العاقل (سمر وداوود)!

داوود

السبت الواقع في ٠٣/٠٩/٢٠١٦

“يا شوقي.. يا شوق الله

تنهدت عند كل حرف وقبل كل فاصلة، وتذكرت لنا حادثة عند كل انعطاف لكلمة.

فعلاً يا سمر، لقد ملأنا أيامنا السابقة بالذكريات وباتت تُعد وتُحسب بِها لا بالوقت ولا بالساعات!

أولاً وثانياً ورابعاً وحتى النهاية “اشتئتلك كتير”

عودة النور إلى رسائلي كان هيناً عليّ، لم يكن عليّ فعل أيّ شيء سوى أن أضع صورتكِ على هذا المكتب القديم، وأرُشّ فوقي القليل من عطرك، كي تشق الشمس الحارقة جدار السقف وتجالسني فوق الورق، وبين الأقلام.

تتسلّل الموسيقى التي أسمعها يا سمر حين أكتب لك، من مصدرها إلى أصابعي على هيئة ذبذبات وصولاً إلى الأسطر. وأنا على يقين أن السّطر السّابع الذي أكتبه دائماً، مجبولاً بأغنية أمّ كلثوم “يللي مليت بالحب حياتي أهدي حياتي إليك”.

أرسلت إليكِ عيني، تلك التي وشمتُ في حدقتها صورتكِ، بصمة أناملك، وسأرسلها دائماً. لترتب روحك بعد كل ضجيج سببه الناس حولك، فأنا لا أحب أن يزعجك الجُهال بجهلهم وأن يبعثروا “نوتاتك” التي تجعل منكِ لحناً أصفهانيًّا لا يفقه سواي.

أرسل إليكِ عينيّ يا حبيبتي محملة ببريق النجوم المتكلمة، تنفجر عند الوصول بشكل بطيء وبكل هدوء وردًا على ضلعك الثالث ناحية اليسار، توشم فؤادك بناري الملتهبة الموقدة، وترجو لحظة زمنية قريبة تحضنيني فيها وتحتويني فيها، فأمسي بين يديكِ في هذه المسافة كالماء في زجاجة، مُحاطٌ بمن يحبني وبما أُحِب..

أرسل إليكِ عينيّ تُطمئنني أن دموعك التي تذرف على الوسادة، تذرف على غيابي لا على تعبٍ آخر ولا على همّ آخر ولا من حزن آخر!

دعكِ من عينيّ الرسولتين.. لأنّي إذا أحصيتُ لكِ مهامها وما قد فعلَتْ ستُدهشين. ولن يبقى لي في الرسالة مكاناً لشعور آخر وكلام آخر.

“اشتئتلك اكتر ما بتتصوري”

أعود بعد تعب إلى غرفتي الواسعة، فتضيق كُلما مررتِ يا ملكتي على خيالي،تتبعثرين بحواسك الخمس في كل مكان،ت ضحكين في كل زواية، تبتسمين لي عند كل حركة، أراكِ هُنا وما أنتِ هُنا ولكن “اذا جُننت أيها المُحب طيفُ الحبيب أتاك!”

لقد كنتِ معي طيلة فترة اشتياقي المستمرة حتّى الآن.

في الأمس سقطَت منكِ شعرة على السرير، بحثتُ عنها كثيراً ولم أجدها، لكنني على يقينٍ من رؤيتها، قد لمحتها ولكنها اختفت كالسراب.

جلستُ طويلاً، أتمعنُ ملياً، برسالتك، شممتُها، وضعتُها أمامي واقفة ومعروضة لعينيّ، أشعلتُ سيجارة، أنظر تارة لها وطوراً حولي، الدخان ينبعثُ فوق الأشياء ولا يجانسها، وكم كان يودّ كل شيء فيَّ مجانسة تلك الورقة أو العبور منها اليكِ.

اشتقتُ أن أقبّل غُمارة وجهك البدري، هذا الأثر الذي تقوم الملائكة بتركه على وجه كل مَن كان يدوي التشكيل، أنت “هاند مايد” يا عمري.

اشتقتُ أن أُمَسِد شعرك “الكورلي” .. هههه لا تغضبي، أمزح، اشتقتُ أن أُمسِدَ شعرُكِ ” المموج ” كما تَصفينه وكما تحبين أن أصفه، ولكنني في الحقيقة أراه رقراقًا كنهر سائب، يخالط وجههُ الليل وظهره النور..

أراكِ في رسالتكِ قد استدعيتي الذكريات، هذا الجبل الذي كنا نهربُ اليه، كان بحجمه الضخم، صومعة تصوفي لكِ، سلّيه عما كان يخالجني من نار عند تربعنا في أرضه، سلي الله الذي كان يرانا عن شعوري هناك، سيجاوبك بنظرتي حينها لكِ وبلمسة من روحه على قلبك تجعل روحك تقشعر داخل بدنك وتضيء.

سلي كُل الجماد الذي كان يراقبنا، أفعالي وقتها لم تكن الجواب، بل نظرة عيناي حينها كانت لك جواب.

أتذكرين أول مغامرة؟ أول جنون؟ كنا وحدنا الساعة الثالثة صباحاً، في المسبح،الطقس كان بارداً لي، أما أنتِ فكنتِ ناراً تخالط الماء و تهيم فيه، اتخذتِ لي زاوية ارتجف فيها، انظر اليكِ، مبتسماً، رأسي كان هارباً إلى السطح، جسدي اِلتحَفَ الماء علّه أدفأ من الهواء فوقي، متكوراً على نفسي غير متذمر.

كنتُ دافئ المكنون لرؤيتك، دنوتِ وخَدّيكِ ساحةُ احتقانْ، شمسٌ مختبئة خلفَ تـلكَ الوجنتين، في حُمرة دائمة، مُتَقَلّـبَة.. مزاجية.. ثاقِبَةٌ تِلكَ العيون، نظرتُ فيها كأنها مدخلٌ لـعشتروت، كأنَها تخفي مُدُنا مِنْ ذَهَبٍ مُصفى، كأنَها مَعبَدٌ مهجور! صلّيت فيهِ ودعوت. ولم يكن يهمني إنْ كانَ ذو مِنبَرٍ ومِحرابْ أو ذو أجراسٍ وشُموعْ! ما همّني فيهِ سوى القُنوتْ…

نظرتُ إلى تلكْ الرموش! تَحرِسُ المداخل كأنَها ريشةُ ملاكٍ هارِبْ!
تمتدُ مِنْ كَحلٍ كأديم الأرضْ إلى أطراف النور!

وارتشفتي مما تشربين بعدما صرت قريبة مسافة الهواء من الماء، ثم بصقته في فمي دون أن تتلامس شفتانا، واضعة أصبعين على تفاحة ادم، كي تعرفي متى سأشرب فتزيدين وتعيدين الكرة. ثم حضنتني يا سمر، حضنتني… وبقيتُ متسمّراً في حضنك دقيقتين، كانتا سنتين، لأنني غرقتُ بالتفكير! كيف فعلت هذا!؟

لماذا؟ ولِمَ لم أتذمر! ما هذا الفعل! ماذا يعني! لستُ عطشاً! لِمَ لَمْ أمنعكِ؟ لماذا لم أقوى إلا على الخضوع لفعلك هذا!

تلك الدقيقتان كانتا كفيلتين (لاينشتاين) لاكتشاف نظرية النسبيّة. فقد تلاشى فعلاً مفهوم الوقت حينها لدي، وأمستِ الثّواني شهورًا في عقلي وعند حضنك..

أنتِ تعرفين ما الذي حلّ بي، لقد بدأت تلك المساحة التي تحيطني بالتبخر والغليان، وسرى في جسدي شيء من الحمم الشعورية، تفشّت حتى شعرتُ بحرارتها في كل جسدي من أصل الاوردة الى أصغر شريان، خريطة شراييني اشتعلت فشعرتُ بها كيف هي متكونة داخلي.. حتى انني تخايلتها عند هيجانها كأنني في درس لعلم الأحياء..

مجنونتي التي خدّرت شرقيتي بعشقي لها لا بعشقها، كيف حال والدتك؟ “الماما كيفا ؟ منيحة :)؟ ”

لا تنسي أنكِ سرقتني مني اليكِ،كما يسرق الضوء قلبُ العتم، فحافظي عليّ في غيابك،و انتبهي لنفسك و حالك يا كُل نفسي و أحوالي.

الكاتب جواد جابر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى