العرّاب الفنيشاشة

أحمد الزين يتوّج خبرة “الشّيب” ببراعة شريرة في ما فيي!

أحمد الزين يتوّج خبرة “الشّيب” ببراعة شريرة في ما فيي!

أحياناً للتمثيل مضاعفات قد لا تردُ إلى ذهنِ صاحبها مع بداية المشوار الشاقّ. بصرف النظر عن كونه أسلوب حياة مجسِّدة للورق، فالتمثيل قد يتحوّل في حالات كثيرة إلى تهمة تلتصق بالممثّل، وتتملّكها رغبة جامحة بعدم الإبتعاد.

تشابه تلك التهمة الصورة النمطيّة التي يألفها الناس عند الممثّل، بأدوار معيّنة يتّخذها، فيصبغون نظرتهم له وفق حدود تلك الصورة. وهذا بالظبط ما أتقن الممثل القدير أحمد الزين ترسيخه في ذاكرة الجمهور، نظراً لتفرّده بلعب أدوار كثيرة الصلابة، وخالية من اللّين، وغالباً ما وُصفت بالشرّيرة.

حُلَّة الزين الأخيرة تبلورت إلى بطولة مطلقة في مسلسل “ما فيّي”، حيث هو نقطة البدء والكلمة الختام. أيّ أنّ العمل بأكمله ينطلق من دور “أبو فوزي” وتدور كلّ الأحداث حول شخصه، وبثقة مُصانة هو الشخصيّة المحوريّة، التي تدور برمّتها القصّة في فلكها.

لعلّ “أبو فوزي” اللغز الأكبر في القصّة تلك، وإن كانت عقدة الجريمة هي الدافع المأجّج لنار الإنتقام وتشكّل بذاتها سرّاً مبهماً، إلّا أنّ غموض الزين في دوره و كلامه، وبطشه المعلن على أهالي القرية، وسيطرته على أراضيها ومواردها، وقساوة ألفاظه مع أفراد أسرته وسيطرته على أبسط تحرّكاتهم. كما كرهه لأرملة أخيه “زكيّة” وكلّ ما هو متعلّق بها. كلّها مؤشّرات مستنبطة بالعين التي تخترق الشاشة إلى سبر أغوار النفوس، لتضعه وسط حقل الإتّهام.

كلّ ما فيه يخبرك أنّه “المجرم” إلّا أنّ إجرامه في الآداء التمثيلي يفوق الوصف، فنظرات عينيه تثقبان الحجر، تشعلان الشكّ وتخرسان الألسن عن البتّ بأي نطق.

مجرم هو بكلّ ما أوتي من مهارات، وظّفها في ضبنات الشيّب مرمّماً بتجاعيد وجهه تقاسيم الزمن الفاجية، بقامةٍ لا تركن انحناءةٍ تستجيب لحقّ الجسد، ومشيةٍ قياديّة حاسمة لا تترك مجالاً للتردّد، كلّ ما في الشخصيّة يعكس عليها انطباع الشرّ.

لكن تصديقك الحسيّ لشرّه لا ينفي ضرورة الإمساك بدليل، قد يشكّل خشبة خلاصٍ لروحي فارس وديما -الولدين المعذّبين بموت والديهما الغارق في الألغاز والظنون- لكنّ خيار إثبات تجريمه قطعاً غير وارد.

آداء الزين في دور “الطاغية” يشهد على خبرة الممثل في تفنيد هذا النوع من الأدوار، حيث لاق عليه دور المتآمر في محطّات سابقة ضمن الرحلة التلفزيونيّة الشائكة.

فهو المعتاد على إصدار الأوامر دون السماح بأيّ اعتراض، يصرخُ بطبيعته ويخرج على الأغلب بتعابيره الخاصّة التي تشبهه حقّ اليقين، عن السيناريو المفصّل. الكلمة تخرج مرّةً من فمه لتصبح واقعاً محقّقاً، الخطأ ليس مدرجاً في أبجديّة قاموسه الحاسم، وإن حدث يأتي الجواب خالياً من الرحمة.

يكادُ ينسيكَ هول السنّين وأنّها شربت من عرقه بما زادها تعطّشاً للمزيد من العطاء. تراه عجوزاً ولكنّه الأكثر قوّة وسلطاناً بينهم جميعاً، يكبّله خوفه أن يمسّ أيّ ضرّ نقطة ضعفه الوحيدة، المتمثّلة بابنه “فوزي” صاحب القلب الضعيف.

لا ينفكّ يبذل أفضع ما بوسعه كي لا تنتكس صحّته، فيُبيح لنفسه الوسائل بشتّى اختلافها لحماية كنزه الوحيد الذي فاز به كإرثٍ أبهى. تشاوفاً بالصبيّ والذكر الذي سيحمل الإرث، تماماً كما تضجّ جلسات مجتمعنا تفاخراً بأحاديث العنصريّة.

مسيرة الزين أعرق من أن تُحصر في حدود مقال، وسطور مهما سخت بجود كلامها تبقى هزيلة أمام سنوات الكفاح والعطاء، في أوقاتٍ مرّت شحيحة على تاريخ الدراما اللبنانيّة وأغدقت على نجومها ظلمةً حالكة بالسواد.

أبى رائدو الفنّ الأصيل الرضوخ لهيمنتها، فكابروا على الصعاب وشقّوا بصيصاً إلى نور الشاشة، حيثما تحقّقت أولى إنجازاتها بحلّة الأبيض والأسود في منتصف القرن الماضي مع كبار الزمن الذهبي كحسن علاء الدين وأبو عبد البيروتي وهند أبي اللمع ووحيد جلال وغيرهم من العمالقة.

وكبرت الشاشة ثمّ ازدانت بالألوان فكبر معها المناضلون وتبدّلت ملامحهم وصُقِلت خبرتهم كما ملامحها. ليبقى أحمد الزين خير آداءٍ لطيب أثر الشاشة قبل الألوان.

الزين لم يأخذ حقّه المشروع بأحقيّة موهبته الكادحة في الأعمال اللبنانيّة التي أهملته لبرهة مديدة، فلجأ إلى احتضان الدراما السوريّة التي أنصفته، حينما تقاعس المنتجون محليّاً. لعلّ هذه العودة المتأخّرة تكون بعض انصاف لقديرين مثله منحوا هذه المهنة بشقائهم نقاط تميّز.

“أبو فوزي” ليس دوراً مجرّداً من الأحاسيس الإنسانيّة أو “طاغية” انقطع وصالها عن كوكبنا. إنّما هو مثالٌ حيّ لرجالات الإقطاع السياسي والإجتماعي وزعامات العشائر المتشبّثين بحبّ السلطة، وتصهير كلّ الشرائح المجتمعيّة خدمةً لمصالحهم التي لا زالت معالمها مستشرية في نسيجنا التكويني.

كثيرون هم عشّاق تمسيح جوخهم الفاخر، والحفاظ على ماء وجه الصورة العائليّة في “برواز” مذهّب ينسف الإنشقاقات الداخلية ويتجاهل حجم التظليل. وهم على أهبّة استعداد كما “أبو فوزي” في دوره، ليكونوا اللغم المتأنّي الذي ينفجر بوجه من يجرؤ على مواجهته في أيّة لحظة خارجة عن الإحتياط!

أليسار جابر 

إقرأ أيضًا: بعد سعد لمجرد..مدير أعماله متهم أيضًا بالإغتصاب؟ إليكم التفاصيل!

إقرأ أيضًا: أنجلينا جولي هل تدخل إلى العائلة المالكة قريبًا..هذه التفاصيل!

إقرأ أيضًا: فضل شاكر يعود بهذه الأغنية وكيف ستكون ردة فعل الجميع والفنانين؟

أحمد الزين _ العراب

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى