كارين رزق اللّه تقرع القلوب على أبواب الميلاد: أم البنات عن جدارة!
بمشهديّةٍ بارعة تقرع كارين رزق الله القلوب على أبواب الميلاد المجيد.
اسمها فرح لكنّها لا تمتّ للإسمِ قطعاً بِصلة. تُطلُّ غارِقةً بثوبٍ أسود، قد يبدو جرمه مخفّفاً أمام خطايا شبه حياة، كحّلت أيّامها بسواد المصير.
لمرّةٍ أولى تُطلّ كارين بطلةً في عملٍ ليس ليدها فعلٌ في نصّه.
من أولى حلقاته يسجّل “أمّ البنات” إيقاعاً لافتاً وعيوناً مترقّبة تقرأ ما بين سطور المبدعة كلوديا مرشليان.
عقدة القصّة مثيرةٌ بحدّ ذاتها، رغم أنّها تبعِدُ فقط شعرةً عن واقع نساءٍ كثيرات.
نحنُ في وطنٍ يتغذّى ترابه على الدّم. إن لم يسقط الإنسان شهيدا” يلقى حتفاً قد يوازي بؤس الشهادة.
فشهداء انعدام المسؤولية وغياب الرّقابة العامة كُثر، لحظةَ يجتمع تخلّي السلطة بالقدر يجعلان من كارين أو فرح حال الأرملة التي هي عليها.
فليس هناك مبشّراً تنتظره من امرأة ودّعت زوجها ليلة استقبال الميلاد!
المتعةُ هنا لم تعد في غرابة القصّة، إنّما طقوس معالجتها تجيدُ إمساك جُلَّ حواسك.
تبحث عن روح الميلاد في كلّ مكان فلا تجدُ منها إلّا الزينة والأضواء.
لا يُخفى على المشاهد الرؤية الإخراجيّة لعدسة المتألّق فيليب أسمر، والشّحوب المُفتعل في الصورة وألوانها ليوحي إليك أنّك في زمنٍ غابر بعيد.
مُهيئاً أنّك ستعيش مأساة كما لا يُفترض بروحيّة العيد.
تنتقلُ إلى سُفرة الأثرياء تُبهَرُ لِلمعانها يعكس تجوّف أرواحهم، وتَصنُّع البسمات لإبقاء نمطيّة المشهد.
أمّا فرح الشخصيّة “الأرملة” المفترض أن تثير الشفقة، تثير بِكَ علامات استفهام توقظ دهشة المتلقّي.
لمَ هي على هذه العتبة من الجنون، أم أنّ طباعها المستفّزة شيءٌ بديهيّ أمام ما مرّت عليه، والظّلم الذي يمرّ بها؟!
في محاولةٍ لكشف بعض جوانب الشخصيّة المحور تدرك أنّ نقطة التحوّل جاءتها عشيّة الميلاد.
وعوضاً عن حصولها على هديّة الميلاد تلّقت فرح فاجعة صعقتها، كما صعق سلك الشجرة الملوّن زوجها.
اتّشحت ألوان الزّينة بالأسود الذي لم يكن ليليق بعائلة تجتمع ليلة ولادة يسوع. غفت أضواء تلك الشجرة وانطفأت معها بهجة العيد.
حتّى الكهرباء باتت تحلّ ضيفةً خجولة وسطَ ارتفاع الفواتير وطمع الجار الجائر.
لتكتبَ الظّلمة ميثاقاً على تلك العائلة، لم يكتفِ بالموت إنّما باستحالة حياة مُجبرة على الاستمراريّة.
من أين أتت كارين رزق الله بهذا الإنقلاب؟
وهي التي عوّدت جمهورها على أدوار نمطيّة معيّنة حقّقت فيها نجوميّة باهرة، ضربت بالتقاليد البالية عرض الحائط في كتابتها للأدوار ونسجها لشخصيّات أعمالها.
بثقةٍ مُستحَقّة باتت متصدّرة الشاشات بسحق نسب المشاهدة.
أتُراها خبّأت حلوى ما لديها من قدرات تمثيليّة لتقدّمه اليوم “كعوّاماتٍ” على مائدةٍ منافسة في تأليف السيناريو؟
ربّما انشغالُ كارين بنصوصها السّابقة حصدَ منها غالبٌ من الجهد والوقت، فلم تتفرّغ لتكتبَ لنفسها دوراً بهذا الجدل.
أم تُراه تأنّي الذّكي الذي يخبز موهبته على مهل، فتُعطينا جودَة شهيّتها في الآداء بمراحلٍ تحددّ هي زمنيّتها وتوصيفها.
كسبت كارين رهان الإقناع بمرةٍ مكرّرة ومنذ الحلقةِ الأولى. شاسعٌ هو الفرق بين مشهد الأمس واليوم، فلم نعد نرى كارين الصبيّة الأنيقة، الثريّة، المثقّفة، والإبنة المدلّلة التي تعاني مشاكسات والديها.
حتّى الحبيبة التائهة من حبٍّ معذّب اختفت. لتحلّ بدَلُها امرأة مهزومة، فقيرة، ضائعة، شاحبة الوجه، تقسو على بناتها الثلاث كي لا يفتعلنَ ما يزيدها مُصيبةً.
وكأنّها ترغب بإلقاء اللّوم على كلّ من تلتقيه فتصرخ به مستفّزة، منتقمة من قسوة الظّروف.
تنتظر استرحام جارها البخيل فيقابلها بصبرٍ شحيح ويقلبُ عليها ما تبقّى من صمودها.
تكادُ نظراتها الجّافة إلّا من الدّموع تكسِرك في برودها. لا تبدو مشابهة بقليل لأيّ امرأة قد تعرفها!
إلّا أنّ الأفق يلوّح لها بمنقذٍ يبدو على مشارف الأخذ بِيدها ليكون مايكل الأمل لها و لموهبة مُبشّرة تُحيكُ ل”جيري غزال” بوادر النّجاح في ظهوره الأوّل.
هذا الذي يبدو رهاناً آخر للكاتبة مرشليان، التّي طالما كانت الكاسبة لمراهناتها بإطلاق الفرص للوجوه الشّابة.
ممثّلة بموهبتها وحسّها المترفّع عن دونيّة النّص ولعب الإبتذال. جعلتها تتّخذ خطوتها الجريئة لتُحرِزَ بُطولة في ورقٍ خصم لم تقرّرها هي هذه المرّة.
بل أكّدت كارين أنّها نجمة مُتربّعة في خانة البطولة أيّ كان صاحب النّص. فما تعوّل عليه ابنة “الكار” هو الكلمة والورق الذي ستُترجمه لساناً وجسداً ومشاعر.
عندما تكون بتلك الدّقة تُخبِرُك صعبة الإنتقاء، بأنّها ليست ابنة الأمس بل تحوّلت وأصبحت “أمّ البنات” الدور الأميز الذي يتطلّبُ نُضجاً بهذا القدر.
كثيراً ما اتُّهمت بتفرّدها ببطولة أعمالها السيناريوهيّة، وأنانيّتها حيناً أن لا ترضى إسناد النجوميّة لزميلاتٍ أخريات.. قد يفوقونها شهرةً أو إصدارات بالأعمال والأرقام.
من النّقاد من قال أنّ الأسماء الكبرى ستكون أكثر إيضافاً لنصوص كارين. لكنّها العنيدة المثابرة التي ترفض التقييم المسبق وتُخضِعُ استنتاجها رهناً للتجربة.
في زمن صعوبة الإنتاج و شحّ الإستثمارت في المواهب المستحقّة. امتلكت كارين رزق الله القدرة على إثبات نجوميّتها، في عملٍ يُصرّخ بالنجاح ويُلمِسُكَ بحكمٍ مُبكر أولى بوادر التّكامل.
بعد طولِ عناء وقتالٍ يفرض نفسه، مُسجّلةً بصمةً لا تُشبه إلّاها، هيَ بجملتها الشّهيرة الواثقة ” أنا كارين رزق الله” الّتي ما انقطع إيمانها بخلقِ نفسها بين الورقِ والجسد الإنسانيّ.. لتصبو شابّةً يافعة تحقّق حلم أن تصبح “أمّ البنات”!
أليسار جابر
إقرأ أيضًا: نضال الأحمدية في تحت السيطرة: ما الذي يجعلها لغزًا محيّرًا للناس؟